كانت زينب بنت جحش زوجا من أزواج النبي الطاهرات، وهي بنت عمته صلى اللّٰه عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم. 1 وهي أخت عبد اللّٰه بن جحش، إحدى نساء بني أسد بن خزيمة، وكانت قبل النبي صلى اللّٰه عليه وسلم عند مولاه زيد بن حارثة، زوجه اللّٰه إياه، فمات رسول صلى اللّٰه عليه وسلم، ولم يصب منها ولدا، وهي أم الحكم. 2
أما نسبها من أبيها فهي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن بن غنم بن ودان بن أسد بن خزيمة. 3 وأمها كانت قرشية، أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي. 4 وهي عمة النبي صلى اللّٰه عليه وسلم. 5
زيد الحب هو ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود. وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت ابن سلسلة من بني معن من طيئ. 6 قالوا: زارت أمه سعدى قومها وزيد معها وكان ابن ثمان سنة، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهليّة على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فأتوا به في سوق عكاظ فعرضوه للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم وهبته له. 7 ثم خرج أبوه وعمه في طلبه حتى قدما إلى مكة، ووجداه عند النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فخيره النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فاختاره على أبيه وعمه وعلى أهل بيته، وعند ذلك أخرجه النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إلى الحجر وقال: (( اشهدوا أن زيدا ابني، يرثني وأرثه )) فدعي زيد بن محمد حتى جاء اللّٰه بالإسلام. 8
لما كبر زيد وبلغ إلى ما بلغ خطب له النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إلى فتاة جميلة من بنات عمه، وهي زينب بنت جحش رضي اللّٰه عنها. روي عن زينب قالت: خطبني عدة من قريش، فأرسلت أختي حمنة إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أستشيره، فقال لها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( أين هي ممن يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها؟ )) قالت: ومن هو يا رسول اللّٰه؟ قال: (( زيد بن حارثة )) فغضبت حمنة غضبا شديدا، وقالت: يا رسول اللّٰه، أتزوج بنت عمتك مولاك؟ قالت: جاءتني فأعلمتني فغضبت أشد من غضبها، وقلت أشد من قولها، فأنزل اللّٰه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا 369 فأرسلت إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وقلت: إني استغفر اللّٰه وأطيع اللّٰه ورسوله، افعل ما رأيت، فزوجني زيدا. 10 ومن هذا المنطلق، هدم النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فرقا من فوارق اجتماعية وعرفا من أعراف قبلية، متواجدة بين طبقات عربية عالية ونازلة، ضمن تقديم مثال حي من بيته.
كان زيد وزينب رضي اللّٰه عنهما يحبان النبي صلى اللّٰه عليه وسلم حبا حقيقيا جما، ولكن على الرغم من ذلك لم يكن بينهما انسجام فكري، مما تأثرت به العلاقة الزوجية بينهما ولم ينجح زواجها باستمراره طويلا. والسبب الرئيسي في ذلك أن زينب رضي اللّٰه عنها تفخر على زيد بعد زواجها منه بشرفها وحسبها، وأنها القرشية، وهو المولى، بينما لم تسمح لها هذه الفكرة أن تشعر بالارتياح؛ لأنها كانت فخرا وشرفا لعائلة محترمة مشرفة. ومن ناحية أخرى، عانى زيد من ذلك، ولم يقدر بصفته زوجا، ووفقا لأعراف وتقاليد اجتماعية متعارفة لدى العرب على كبت رغبته في أن يكون هو زوجا لامرأته وقيما لأسرته، فأصبحت الخلافات بينهما تزداد حينا فحينا حتى فشلا في إقامة أسرة مستقرة هادئة. وأثناء ذلك أبطل اللّٰه نظام التبني وأحكامه، وأراد اللّٰه تعالى أن يلغي كل الأعراف والتقاليد التي قامت على ذلك النظام. فأنزل اللّٰه عز وجل: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا 511
فقد ذكر اللّٰه جل وعلا أن المتبنى ينسب إلى أبيه الحقيقي لا إلى من تبناه، وأنه ليس بابن حقيقي، فلا يرث ولا يورث. يقول عبد اللّٰه بن عمر رضي اللّٰه عنهما: أن زيد بن حارثة مولى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن. 12 فبدأ الصحابة يدعونه بعد ذلك زيد بن حارثة. وكان زيد رضي اللّٰه عنه يشكو إلى النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فيعاتبه ويعاتبها جتى تستمر بينهما حياتهما الزوجية، لكن لما أبطل اللّٰه أحكام التبني فجاء زيد رضي اللّٰه إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذنه في تطليقها، فأذنه له صلى اللّٰه عليه وسلم، ونزلت الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا 3713 وبعد ذلك، لما انقضت عدتها زوج اللّٰه تعالى نبيه صلى اللّٰه عليه وسلم إياها. 14
لما انقضت عدتها فتزوجها النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، فكانت هي تفتخر على نساء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم بأنها بنت عمته، وبأن اللّٰه تعالى زوجها له، وهن زوجهن أولياؤهن. 15 وتكلم المنافقون في ذلك وطعنوا فيه، وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه زيد. فأنزل اللّٰه جل جلاله: 16 مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ……4017 وأصدقها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أربعمائة درهم. 18 وفي ذلك اليوم نزلت آية الحجاب، روى البخاري عن أنس رضي اللّٰه عنه قال: لما تزوج رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت، فأخبرت النبي صلى اللّٰه عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه. 19 فأنزل اللّٰه الآية: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا 5320
قالت عائشة رضي اللّٰه عنها: لم يكن أحد من نساء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم تساميني في حسن المنزلة عنده إلا زينب بنت جحش. وكانت تفخر على نساء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، وتقول: إن آباءكن أنكحوكن، وإن اللّٰه أنكحني إياه. وكانت امرأة صناع اليد، تعمل بيدها، وتتصدق في سبيل اللّٰه. 21 فكانت هي كثيرة الخيرات والصدقات على الفقراء والمساكين في سبيل اللّٰه. وهي التي قد دافعت عن عائشة رضي اللّٰه عنها في وقعة الإفك. قالت عائشة رضي اللّٰه عنها: كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: (( ماذا علمت، أو رأيت؟ )). فقالت: يا رسول اللّٰه، أحمي سمعي وبصري، واللّٰه ما علمت إلا خيرا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فعصمها اللّٰه بالورع. قالت: وطفقت أختها تحارب لها، فهلكت فيمن هلك. 22 وفي حسن خلقها وطيب سيرتها تقول عائشة رضي اللّٰه عنها: لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى اللّٰه، ما عدا سورة من حدة كانت فيها، تسرع منها الفيئة. 23 روي أن عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه أرسل إليها اثني عشر ألف درهم، كما فرض لنساء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم فأخذتها وفرقتها في ذوي قرابتها وأيتامها، ثم قالت: اللّهم لا يدركني عطاء لعمر بن الخطاب بعد هذا فماتت. 24
إن السيدة زينب بنت جحش رضي اللّٰه عنها دعت اللّٰه أن يستعجل لها الانتقال إلى لقائه، فتقبل اللّٰه دعاءها، فلم تمض سنة على منحة أعطاها عمر إياها حتى لحقت بربه الأعلى، وهي أول نساء النبي صلى اللّٰه عليه وسلم لحوقا به. 25 وأورد الإمام مسلم عن عائشة رضي اللّٰه عنها قالت: قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: (( أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا )). قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا. قالت: فكانت أطولنا يدا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق. 26 فتوفيت زينب بنت جحش، وهي ابنة ثلاث وخمسين. 27 قالوا: وأوصت زينب أن تحمل على السرير الذي حمل عليه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فحملت عليه، وعليه حمل أبو بكر رضى اللّٰه عنه. وكان موت زينب سنة عشرين، فصلى عليها عمر رضي اللّٰه عنه، ودفنت بالبقيع، ونزل في قبرها محمد بن عبد اللّٰه بن جحش، ومحمد بن طلحة ابن عبيد اللّٰه وهو ابن أختها حمنة بنت جحش قتل مع أبيه يوم الجمل، وعبد اللّٰه بن أبي أحمد بن جحش، وأسامة بن زيد وكان لها محرما؛ لأنها كانت عند أبيه. وكان دفنها في يوم صائف، فضرب عمر على قبرها فسطاطا. 28