كانت الديانة في يونان القديمة مفهومًا شخصيًا معتمدًا على طقوس وتقاليد مختلفة كما نراها في العالم الحاضر، فكانت أفكارهم وأنظارهم الدينية المقبولة تأصلت في مجتمعهم بأكمله على الرغم من كونها معتقداتهم الشخصية، وقد اختلقوا أساطير عملاقية تثبت طقوسهم الباطلة ومعتقداتهم الزائغة فيقوم بعض اليونانين بعبادات متنوعة ويحتفل بأعياد دينية إيماناً بما ورد في أساطيرهم، كما كان هناك رجال ليس لهم اعتقاد ديني ولا إيمان قلبي، بل كانوا ملاحدة.
كان اليونان يرون أن آلهتهم يمثلون نيابةً عن الطبيعة، يتمثلون بشرًا ويدركون بإدراك بشري تام، ولأن تسعد هذه الآلهة وترضى يعبدها اليونان ويكبون عليها ويقدمون لها القرابين، 1 ويعتقدون أنها تراقب الناس في جميع الأحوال، وتقضي حوائجهم وتحميهم في المخاوف والمخاطر، وتشفيهم من الأمراض والأسقام، فكانوا يعبدون كل إله بعبادة مميزة مليقة بصفته التي يتميز بها ويعتنون بأماكن مقدسة لآلهتهم كمعابد وثنية، ولم يكن لهم أمل منها في أمر الآخرة؛ زعماً منهم أن آلاءها تختص بالحياة الدنيوية فقط. 2
الوثنية كانت رأس المعتقدات اليونانية، لذلك أوثانهم لاتعد كأوثان الآريين والهندوس، والإله في زعمهم كالبشر متصف بعيوب ونقائص، لها أشكال ومشاعر بشرية إلا أنه لايفنى ولايبيد وقادر على أن يعيد خلاف البشر. 3 ثم مع مر العصور وكر الدهور بدا لهم أن الإله هو مثل البشر تماماً إلا أنه أقوى من البشر قليلاً، 4 فجعلوا يهتمون بالإكباب عليها عبادةً وتقديم القرابين لها اهتماماً بالغاً، 5 ويزعمون أن الإله له أثر كبير في شؤون حياتهم. 6
فالديانة اليونانية لم يؤسسها ولم يختلقها الكهنة العلماء ولم يوجدها الرجال الذين كانوا مبتعدين عن الملذات الدنيوية والشهوات النفسانية، بل كان واضعوها الحقيقيون شعراء وحكماء وفلاسفة، الذين نشأوا وترعرعوا في بيئة حرة، لم يكن لديهم كتاب إلهامي ولا اعتقاد سماوي، إلا أنهم أدركوا بإحساس لطيف، عبر عنه أمبيدوكليس (Ampidokles) بشعلة واثبة للحب، وعبر عنه أفلوطين (Plotinus) برحلة الواحد إلى الواحد.
كان اليونان يرغبون في أن يروا الإله في صورة مرئية، فصنع تمثال زيوس (Zeus) بفيدياس (Phidias) في أولمبيا عام 416 - 490 قبل الميلاد، تلوح فيه قداسة الإله وحرمته، وهو أفضل نموذج للجمال اليوناني، ويزعمون أن تمثاله يمكن أن يخلق قدرة في الفرد، ينفصل بها عن ذاته وينهمك في المفهوم الإلهي، ومن هنا بدأوا يصنعون تماثيل الآلهة؛ ليتحصلوا على معرفة الألوهية والربوبية. 7
فكانت الأصنام تنصب في المعابد الكبيرة، والناس يمتثلون بمراسم عبادتها أمامها، ومن آلهتهم مذكر ومؤنث ومخنث، ويعلم من قصائد هوميروس (Homer) أن آلهتهم تتدخل في شؤون حياة الإنسان، وإلى جانب ذلك قد ساهمت في حرب طروادة (Troy) وشجع فيها الشجعان، وفيها عيوب ونقائص، ولم يعتبرها اليونان آلهة خالقة للعالم ولا مالكة له بملك تام، وكان أرسطو يقول حول الإله: إنه قوة مغناطيسية تجذب كل شيء إلى نفسه، وليس بخالق ولا له علاقة بالخلق والتخليق، وأما القوة الجاذبية فيه فذلك بما أن كل شيء يعشقه ويحبه فيميل إليه، ولا يعظمه اليونان إلا كتعظيم شيخ كبير، يكفي أن يذكر تعظيماً وتوقيراً في بعض الطقوس الدينية والاحتفالات الرسمية التي كانت عبارةً عن ألعاب وألغاز، رقص وغناء، وشعر وغير ذلك. 8
كان لدى اليونانيين عديد من الآلهة ذكورًا وإناثًا، أكبرهم وأبو البشر زيوس (Zeus)، ومن أشهرها أبولو (Apollo) وأثينا (Athena)، 9 فكانت المعتقدات اليونانية الزائغة أبشع وأقبح مما كان عليها أهل الشرق؛ فإن أهل الشرق أقرب إلى ينابيع النور الإلهي حيث ينزل فيهم الوحي السماوي ويبعث فيهم الأنبياء والرسل، وقد ضيع أهل اليونان كل ما وصلت إليهم من أخبار أسلافهم وأعرافهم، ولم تبق منها إلا أقوال ذهبية يستفيدون منها استفادة روحانية، كقولهم: لكل عمل ثمر في الدنيا، فالبر يجازى بالعمل الصالح، والفاجر يعاقب بالعمل السيء، وقد حاول حكمائهم وفلاسفتهم تفحص الحق والبحث عن الدين القويم والاستضاءة بأشعة النور الإلهي في ظلمات الجهل والوثنية إلا أنهم فشلوا في محاولاتهم لعدم التفاتهم إلى نبيهم المعاصر أو لبعدهم عن الوحي الإلهي أو لعدم الاهتمام بذلك، فكان مصيرهم الحرمان من نور الحق والهداية.
وفي الحقيقة أن الديانة اليونانية لم تتكون في صورة نظام ديني كامل قط، بل تزداد فيها المعتقدات المتضادة شيئًا فشيئًا، فبالنسبة إلى السماء يزعمون أنه كالأرض مأهولة بالكائنات الحية، يعتبرون آلهتهم كالبشر صورةً وسيرةً إلا أنها أقوى، لاتفنى ولاترى، وكانت لديها سلطة كاملة في تصرف الأمور الدنيوية. 10
البانثيون (Pantheon) يطلق على مجمع الآلهة التي تعبد في الحضارة اليونانية القديمة، وكلها كانت من مصنوعاتهم وموضوعاتهم، يعتبرون مجموعتهم كعائلة من الآلهة، تسمى في المصطلح الراهن اثنا عشر (12) إلهاً أولمبياً أي ألمعياً. 11 وقد اتفق اليونان على أن إله السماء غير إله الأرض، يظهر أحيانًا في شكل بشري، وهذا ما يسمى في المصطلح الراهن (Anthropomorphism) "التشبيه البشري"، 12 نذكر فيما يلي أسماء آلهتهم وبعض تفاصيلها.
كان زيوس (Zeus) يعتبر إلها أكبر عند اليونانيين القدماء، ويقولون عنه أنه يسكن في السحاب في جبل أوليمبوس (Mount Olympus)، 13 ويرد في قصصهم العملاقية أنه أكبر آلهتهم وهو أبو البشر جميعًا، ويعرف باسم جوبيتر أيضاً، البرق سيفه المسلول، يصول به على أعدائه، يحكم السماوات والأرضين، 14 ومفهومه مأخوذ من دراسة السماء الصافية الغير المنكدرة حيث أن السماء تحيط بجميع جوانب العالم، ويبدو كأنه يحكم على العالم بالمواد والماهيات التي تخرج منها، وفي الأغلب أن الكواكب الفلكية لا تستقر على وضع واحد ولا تبقى عليه بالدوام بل تعتريها تغيرات مستمرة وتنقلات متنوعة، ومن ثم لم يعتبره اليونان إله الرحمة فقط، بل كان هو عندهم إله الغضب والقهر، وكما يعتقدون أنه يخلق المطر والرعد والبرق والحرارة والضياء، وأنه لما بغى عليه أعداؤه الآلهة وطغاه الشاطين والعفاريت وتمردوا على حكمه فضربهم بالبرق ضربةً شديدةً أسطقت كثيرًا منهم على الأرض فسكنوا في الصحاري والبراري، والجبال والتلال، فيحدثون الزلازل ويضعضعون الأرض، ومعتقدهم أن زيوس يملك نار السماء وماءه كليهما، وموضع عبادته كإله المطر الهاطل دودونا (Dodona)، وهو عندهم منبع جميع الأنهار والجداول.
كان زيوس أكبر آلهتهم وأعظم الناس، وحسب ما ذهب إليه هوميروس (Homer) وهسويد (Hesoid) أن زيوس يملك قوى لم يخطر خيالها ببال أحد، وهو مقبول لدى جميع الآلهة دون أي فرية ولا مرية، 15 ويعتقدون أن زيوس موجود في كل مكان، قاض لحوائج المحتاجين ومساعد المنكوبين، وهو ولو كان أعظم في زعمهم إلا أنه يحتاج في إبقاء عظمته وهيبته إلى أنثى، ويعتقدون أنه قد علق النجوم في السماء. 16
هيرا الإلهة كانت تعتبر في صومعة الآلهة المشاهير (Olympian Pantheon) إحدى أخوات زيوس الثلاث كما تعرف بزوجته، وهي في معتقدهم إلهة النساء المتزوجات، 17 وملكة الآلهة اليونانية القديمة، شهيرة بطبعها العدائي البغيض المنتقم، ويعتقدون أنها تحب وتعشق زوجها زيوس وتدبر المؤامرات ضد ولده غير الشرعيين، وتعتبر هي وفية لزوجها، ومن ثم اشتهرت كإمرأة مخلصة وفية تعشق رجلًا واحدًا وتعيش معه أبداً، 18 وهي أيضاً تسكن بدودونا (Dodona)، ومكان عبادتها المخصوص هو جبل أيوبوا (Euboea) قريبًا من أرغوس، يسمونه بوبوس أيضاً أي: عين البقرة، وكان لها ديران غير أرغوس، أحدهما في جزيرة أيبوا على جبل أوخا، والآخر كان على تلال عالية تقرب من كروتون (Crotone)، وفي الأغلب أنها تحرس وتحافظ جزيرة ساموز (Samos)، التي تدل على مفهوم العلو والسمو. 19
كانت أثينا (Athena) تعتبر إلهة قوية، لها أثر بالغ في الحكمة والحرب والفنون الأخرى، 20 واشتهر عنها أنها مولودة من رأس زيوس (Zeus)، وليس ذلك إلا جهلًا مطلقًا وقولًا باطلًا، تتسلح بالبرق السماوي وتحمي بدرع رسمت عليه صورة غرغونة (Gorgon) أي صورة بشعة، وتسمى بـ"عين البومة"؛ لأنها كانت في اعتقادهم الزائغ إلهة السماء، ويعتقد عابدوها أنها تنهي وتقضي على كل اضطهاد وفساد بمهارتها الفنية. 21
أبولو (Apollo) يعتبر في يونان القديمة كإله الموسيقي والصدق والغيب والضياء والمرض والشعر وما إلى ذلك من أوصاف أخرى، 22 وبالاختصار أنه في زعمهم إله عبقري للأخلاق العالية والشباب، ووفقًا للأساطير اليونانية العملاقية أنه إله ألمي أوليمبي (Olympian) وابن زيوس (Zeus)، ويبدو أنه إله حيادي سياسياً. 23
ويزعمون أن أبولو مسلح بقوس وسهامه أشعة الشمس، بها يصول على أغوال العمق وعفاريته، وبها يخرج النور من الظلمات، ويشبهون السحاب اللامعة بالماشية والذئاب السماوية ولم يكن لها راع في زعمهم إلا أبولو، لذلك هو إله القطعان أيضاً، وكان له في البحر تأثير عميق مفيد؛ لأنه يهدأ عواصف بحرية، وينسب إليه سمك خاص ودلفي(Delphian) الذي يداعب حول الباخرة في بحر راكد، ولهذا لقب بـفالينيوس، يتنفر من الأدناس والأرجاس بطبعه الفطري لما كان هو إله النور، وأما أخذ الثأر من العفاريت فكان مفوضًا إلى هيراكليس أو هيراكول (Heracles) وهيلا روفون، وفرفاوس (Perseus) وسيليوس، وإضافةً إلى ذلك كان أبولو يشفيهم من الأمراض والأسقام، ويشير عليهم وينصحهم في مصاعبهم ومشاكلهم، وكان له أديرة شامخة حمايةً له، ومن أبرزها وأجودها معبد دلفي (Delphi) الذي سرعان ما فاق على معبد دودونا (Dodona)، ثم يعبد في العصور اللاحقة في ديلوس (Delos) ودلفي (Delphi)، ويزعمون أن السماء تضيء الأرض عن توسط الشمس، وله إله خاص في الديار الهندية يسمى بـسوريا الذي كان يعبد في اليونان باسم ماهيليوس، وهو في الحقيقة اسم آخر لأبولو. 24
آرتميس (Artemis) إلهة الصيد والزراعة والحيوانات الوحشية، ابنة زيوس (Zeus) وليتو أو ليطو (Leto) وهي توأمة أبولو (Apollo)، ولها أساطير عملاقية موضوعة متداولة في القرى، وأكثر ما تعبد في البوادي كما تعبد في جزيرة كريت (Crete) والولايات اليونانية الأخرى، 25 وبما أنها توأمة أبولو صنع تمثالها مثله كصياد بيده قوس وسهام، وهي ربة الفواكه والقوى الفطرية، ويرى أنها كانت إلاهتان في بداية الأمر ثم دمج أحدهما في الآخر وسمي بآرتيمس، وهي في هذه الميزة تشبه بإلهة شهيرة في آسيا تعبد في إيفي سوس وأماكن أخرى، ومن هذه الناحية كانت محافظةً على أماكن تبتعد عن مساكن البشر كالغابات والمراعي والأماكن التي تسكن بها الوحوش والحيوانات البرية، وتعتني بكل ما يخرج عن نطاق ديميتر (Demeter) ودينوسيوس (Dinosyius) وأبولو (Apollo)، وهي آلهة الشمس المشرقة أيضًا.
كان معروفًا في الروم بـ"مركري" (Mercury) يعنى عطارد، وهو في زعم اليونان إله التجارة والثروة وحسن الحظ والخضرة والنوم والسرقة واللغة والسفر وإنتاج الحيوان، كان من أشر الآلهة وأمكرها، وقاصد بعضها إلى بعض، وهو الذي سرق رمح بوسيدون (Poseidon) وسهام أرتميس (Artemis) ومئزر أفروديت (Aphrodite)، وهو الذي اخترع النار والنرد فيكب على عبادته المقامرون خاصةً. 26
كان هادس أو حادس (Hades) إله الجحيم، وابن كرونوس أو كروناس (Kronos) وريا (Rhea)، وشقيق زيوس (Zeus)، كان مع زوجته بيرسفوني (Persephone) يحكمان العالم السفلي، وحادس معناه الانحرافات وجهنم، وربما يؤدي معنى الغيبوبة أيضاً، ولما كان العالم السفلي من المغيبات فسمي هذا الإله بهادس، واشتهر عنه أنه كان يلبس قلنسوة تغيبه، اختطف بيرسفوني للزواج ثم طلب منها أن تبقى معه للأبد. 27
هيفاستيوس أو هيثاستوس (Hephaestus) كان إلهًا يونانيًا عرف بفولكان (vulcan) في روما، وفيشفاكارما (Vishvakarma) في الديار الهندية، 28 كان معروفًا بإله النار ومذيب المعادن ومصهرها، يعيش في ويمنوس أو ليمني (Lemnos)-جزيرة في اليونان تقع في الجزء الشمالي الشرقي من بحر إيجة، وهو يصنع صواعق الرعد لزيوس، وإلى جانب ذلك كان يُعدّ الدروع والأسلحة لأهل السماء كي يستخدمها في الحروب. 29
بعد ما انتهى بروميثوس (Prometheus) أصبح هيثاستوس (Hephaestus) إله النار العظيم، وكانت لديه القدرة على إضاءة العالم حيث كان يقوم مقام البرق، ويزعمون أنه هبط من السماء إلى الأرض، وكان هو حارس المجامير في أتيكا (Attica).
كانت هيستيا (Hestia) ربة يونانية، ابنة كورونوس (Kronos) وريا (Rhea)، وإلهة المجمرة والنار إلا أنها منتمية إلى الآونة المنزلية والأشياء الأخرى، وهي أيضاً بكراء عذراء نكراء كأثينا (Athena) وأرتميس، لاتقبل حبًا جنسيًا ولا شغفًا قلبيًا، 30 كانت لها معابد كثيرة في اليونان توقد بها النيران دائماً، ولو أقيم لها معبد جديد فتنقل النار من المعابد الأخرى إليه، وتسمى بـ"بولايا" (Boulaia) أيضاً، وكان اليونان يقدمون لها قرابين أبقارًا أو خنازير، ويثنون عليها قبل كل صلاة، وكان من طقوسهم أنهم يطوفون بطفل مولود في يومه الخامس حول معبدها، وبعد ذلك كان الطفل يعد كأحد من أسرتهم.31
بوسايدون (Poseidon) كان يحكم البحر، 32 ويسمى بـ"بوسايدون العظيم" أيضاً، أقوى آلهتهم بعد زيوس (Zeus) يهز الأرض هزًا عنيفًا، 33 ومن أكبر وظائفه أن يثير العواصف في البحر ويهدأها، وتقع بينه وبين زيوس حروب ساخنة حتى حارب مرةً معه أثينا وهيرا فحاولوا أن يقيدوه بالسلاسل ليتسلط بوحده على جميع الآلهة، 34 وقد عرف بأنه يربي الخيول، بناءً على ذلك سمي بوسايدون هيبيوس (Poseidon Hippios). 35
كانت الشعوب اليونانية التي استوطنت سواحل البحر تتفق على عبادة بوسايدون، فأكب بعض الناس على عبادته في هالي مدينة أخائية، وعبده بعضهم في كورنثوس (Corinth)، والذين سكنوا في خليج سارون وجزيرة أرغوليس بنوا له معبدًا في جزيرة كالوريا كما كان له معبد في سونيوم، بل كان يعبد في كل منطقة يونانية؛ 36 ولكن هنا نكتة أخرى وهي أن إله البحر هو أخو زيوس نبتون (Neptune) في العصور القديمة. 37
ديميتر (Demeter) كانت ابنة كرونوس (Kronos) وريا (Rhea)، تعتبر إلهة الزراعة، ويزعمون أنه لابد من إرضائها للحصول على الحاصلات، وورد في الأساطير اليونانية العملاقية أن شقيقها بوسايدون دخل بها وزنى بها فأنجبت توأمين، أحدهما ديسبوين (Despoine) وكان إلهًا يونانيًا، والآخر إيريون (Aerion) وكان حصانًا، وذلك أن بوسايدون لما أراد الدخول بها فتنكر بزي الحصان حمايةً لنفسه، فديميتر (Demeter) في الحقيقة زوجة رابعة لأخيها زيوس (Zeus) وبيرسفوني (Persepone) ابنتها، فالناس يقدمون لها القرابين لتكون إنتاجاتهم وحاصلاتهم صالحةً جيدةً. 38
كما ورد في الأساطير اليونانية العملاقية أن آريس (Ares) كان إله الحرب، شهيرًا بإهراق الدماء عند اليونان، وكان زيوس يتنفر عن ابنه هذا لكونه محاربًا جريئًا، 39 وقد صنع تمثاله كولد وسيم جميل اللون طويل القامة، كان مع بسالته البالغة تابعًا لأبولو (Apollo) وأثينا (Athena)، وتعاقبه أثينا عقابًا شديدًا على العصيان والطغيان، ويزعمون أنه قدم من أولمبيا بعد ما حل به الأمن والسلام إلى الدنيا؛ فإن الحروب تستمر فيها بين البشر. 40
وفق الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) كانت أفروديت (Aphrodite) إلهة الحب الجنسي والجمال اليوناني، 41 وتضيف إلى تفاصيلها كايل داتون (Kaile Dutton) بأنها أجمل وأحسن الآلهة اليونانية، وكانت مسؤوليتها الأساسية نشر الحب والوداد في الدنيا، 42 وقد ذكر وصفها في موسوعة العالم اليوناني القديم (Encyclopedia of the Ancient Greek world) على النحو التالي: "كانت أفروديت (Aphrodite) إلهة الحب الجنسي والجمال اليوناني والخصب الحقلي فضلًا عن انتمائها إلى البحر، وإضافةً إلى ذلك تتعبر ألهة خاصة للبغايا العاهرات، وكان في كورنثوس (Corinth) معبد منتسب إليها مشتهر بنسائها المقدسات، وكانت مكاسب هذه العاهرات جزءًا كبيرًا من الكنز المبارك، ويذكر هسيود (Hesiod) عن مولدها أن كروناس (Coronos) قطع العضو التناسلي الخاص عن أبيه أوراناس (Uranos)، وألقاه في البحر فخرجت منه رغوة بيضاء ولدت منها إلهة الجمال أفروديت (Aphrodite) التي برزت في ساحل قبرص (Cyprus)". 43
يعتقد اليونان أن ديونيسيوس (Dionysius) إله الخمر، وهو الذي ضحى بنفسه في إنقاذ البشرية من الهلاك، فيعدون موته وحياته من الشعائر الدينية، وكلما يحل فصل الربيع وتتفتح الأزهار فتخرج النساء إلى الجبال يشربن الخمور ويرقصن سكارى، ويسرن في صورة المسايرة، فيأخذن ماعزًا أو ثورًا ويعتبرنه ديونيسيوس فيعضنه بأسنانهن زعماً منهن أنه يحل ويذوب الإله فيهن. 44
قد ورد ذكر طعام الآلهة اليونانية في الأساطير العملاقية اليونانية، ووفق الأساطير أن الآلهة تخلد وتبقى وتدوم بأكله، ويسمى مطعمها بـ"أمبروسيا" (Ambrosia) ومشربها بـ"نيكتر" (Necter) أي: الرحيق، وقيل: إن هذه الآلهة كانت تشم رائحة أرواح أعدائها الموتي قبل خلق هذا الطعام، 45 ويقول أدولف هولمز (Adolf Holmes): إن هذا الطعام لم يكن له أثر في تخليدها فقط بل هو يؤثر في إبقائها شابين أيضاً، وإضافةً إلى ذلك كان الآلهة تمسح بها أجسادهم وأشعارهم، 46 ويذكر رولينسون (Rawlinson) أن الآلهة كانت تهزل وتضعف إذا لم تأكل هذا الطعام، ومن ثم كانت تفتقر إلى أكله شيئاً فشيئاً لتبقى نفوسها حية طازجة. 47
كان اليونان القدماء يعتقدون أن الإنسان يحيى بعد الموت بذكر الأحياء إياه، ثم رجعوا عن هذا الاعتقاد وزعموا أن الأرواح بعد الموت تنتقل إلى موضع يسمى بـ"هادس" (Hades)، وفيه درجات ومنازل، فمن عاش قبل الموت عيشةً صالحةً برةً فحياته جميلة مريحة، ومن عاش عيشةً في المعاصي والذنوب فيصلى في حفر النار التي تسمى بـ"تارتاروس" (Tartarus) أي: جهنم، ويعاقب بأنواع من العذاب. 48
وكان بها ودايان اشتهرا بالعقاب الشديد، أحدهما يسمى بـ"تانتالوس" (tantalos) والآخر" سيزيفوس" (Sisyphos)، أما تانتالوس فتعذب فيها الأرواح بالجوع والعطش الدائمين، بينما سيزيفوس فتعاقب فيها الأرواح بأن تحمل صخرًا كبيرًا وتوصله إلى جبل عال، ويدوم هذا العقاب، ويعتقد اليونان القدماء أن أحدًا لو عمل عملًا حسنًا وخير مأثرةً فيربط به مع الإله فيعطيه أفضل وأجمل في آخر عمره، ولايوصل بروحه إلى العالم السفلي بل يذهب به إلى عالم العليا يعيش فيه عيش الترفه والراحة المستمرة. 49
لقد تطور اليونان في الحكمة والفلسفة وارتقوا فيهما إلى أوج الكمال إلا أنهم لم يتمكنوا من أن تكون لهم علاقةً بالإله الحقيقي الخالق، فكشفوا أسرار الأعضاء البدنية؛ ولكنهم عجزوا عن كشف حقيقة الروح، شاهدوا الآثار الطبيعة الظاهرة في الكون؛ ولكن لم يعرفوا صانعها الذي تشير إليه كل الآثار والآيات، لم يتفكر أحد منهم ولو كان حكيمًا فلسفيًا أن الإله الحقيقي الذي لابد أن يتنزه من كل عيب وشين في ذاته وصفاته، إن اجتمعت فيه هذه العيوب والنقائص التي تتصف بها عامة البشر فكيف يسمى ذلك بالإله الحقيقي؟ كل معصية يمكن أن يرتكبها الشرير اللئيم النذل الخسيس كانوا ينسبونها إلى آلهتهم بكل فخر، نحو الزنا بالنساء حتى بالأخت الشقيقة والبنت الحقيقية، وشرب الخمر والسرقة والقتل والنهب، وجميع الأفعال الدنيئة والقبيحة والتي يتنفر منها كل سليم الطبع تتصف به آلهتهم مرتكبةً دون أي تردد كما نقلناها آنفًا في السطور السابقة، والدليل البين على ذلك أن أرسطو وسقراط وأفلاطون وبوريبادس وإسخيليوس وسوفو كليس وإن كانوا فلاسفة حكماء في العلوم الدنيوية؛ لكنهم عارون من الفهم الحقيقي بل كانوا من هذه الناحية أغبياء جهلاء لم يعرفوا الفرق بين الإنسان والإله الحقيقي الخالق رغم أنهم يعرفون تفاصيل الإنسان وجزئياته، فهم وإن عرفوا وشهروا الأدب والفلسفة في العالم؛ لكنهم عارون عن معرفة عبادة اللّٰه وحقيقة البرزخ والبعث بعد الموت حتى كان أكثرهم زناة مدمني الخمر والفسقة اللوطيين، على كل حال لا يمكنهم أن يقودوا المؤمنين خاصةً وجميع البشرية عامةً ولا يمكن أن تفوض إليهم رئاسة البشرية ولا زعامتها في باب الديانات؛ فإن من ضل وفسق وفجر لا يستطيع أن يهتدي بنفسه فضلًا عن أن يقوم بقيادة وإمامة الناس، فكان من الحاجة الماسة آنذاك أن يُبعث بنبي إلى العالم ليصلح قلوب الناس ويزكي نفوسهم بالعلوم والمعارف الصحيحة السديدة الحقة، وكان من الواجب أن يلزم الناس اتباعه في أمورهم وشؤونهم، وقد جاء لذلك نبينا محمد صلى اللّٰه عليه وسلم فنوّر العلم بنوره المشرق المضيء، وما زال يتنور به العالم بأكمله.